Popular Posts

Sunday, October 13, 2013

العد التصاعدي -8

أسرعت سلمى ووضعت الطفلة في حضنها وضمتها إلى صدرها، وطفقت تمسح دموعها وتحاول تهدئتها، بكت الطفلة حتى تعبت وسكنت ، ناولتها سلمى كوبًا من الماء، وحملتها بين ذراعيها صوب الحديقة خلف المنزل، لاعبتها طوال فترة الظهيرة بالمراجيح وكرات قديمة موجودة من وقت طويل وقطفتا الأزهار معًا وعلقتاها بشعريهما وركضتا وراء الكلب حتى تعبتا من الركض، وحين بردت الشمس قليلًا عادتا للمنزل، غيرتا ملابسهما كأم وابنتها لا توجد لغة تواصل بينهما غير الإشارة وبعض الكلمات البسيطة التي بدأت لين تفهمها قليلًا واستعدتا للخروج معًا لتناول الغداء، تركت دومينيك في الحديقة بعد أن قدمت له الغداء، ركبتا سيارة أجرة ونزلتا عند مطعم قريب يقدم وجبات للأطفال وتناولتا وجبة لطيفة ، تورد خدا سلمى ولمعت عيناها بشغف غريب، واستعادت حياة قلبها وهي تستكشف حياة جديدة في عيني لين الجميلتين، تستمد بهجتها من ابتسامة لين الهشة وضحكاتها الخجولة المقصوصة من بهجة الربيع ..

سلمى التي لم تحظ بأم إلا لسنوات عمرها الخمس الأولى كانت تعرف بقلبها ما ينبغي على الأم أن تقدمه لابنتها وما عليها أن تفعله، الحرمان الذي عاشته خلق في ذهنها صورة متكاملة عن الأم كانت بحاجة إليها، وبلا وعي كانت تصنع صورة من ذهنها وتكون أمًا للين .. تلمس شعرها وتسأل نفسها بقلبٍ واجف: كيف استطاعت أم لين أن تترك طفلة بهذا الجمال وهذه الوداعة ؟

بعد الغداء طافت بها سلمى في محلات الألعاب، والمكتبات ومحلات الملابس، اشترت لها ألعابًا ودمىً وكراسات رسم وتلوين وأقلام ملونة كثيرة وملابس خفيفة للعب والمنزل، لم يكن منزل العمة مليئًا بالفتيات، غالبًا كان الذين يأتون للمنزل فتيانًا وصبيانًا، كانت سلمى هي الفتاة الأخيرة ، وحين أتت كانت هناك فتاة شابة تزوجت بعد عامٍ من بقاء سلمى معها، أحبتها سلمى وقتها رغم أن الفتاة كانت لا مبالية ولم تأبه لوجود سلمى قط، ومن حين غادرت لم تأتِ فتاة واحدة .. لذا ابتهجت سلمى بحضور لين..واشترت لها ألعابًا بناتية كثيرة يخلو منها البيت الكبير ..
عادتا للمنزل بعد جولة مرهقة، أعدت سلمى للين وجبة عشاء خفيفة بنفسها وهدهدتها بالأغاني الطفولية التي تذكرها حتى نامت لين في حضنها ونامت سلمى معها، لأول مرة من سنوات طويلة تنام سلمى بقلب خفيف كورقة توت ترقص في نسيم الليل الربيعي الممتليء برائحة ملكة الليل مخمرة بالياسمين ..
نامت سلمى وحتى وجهها بدا أجمل بكثير وشعرت أن جسدها أخف مما هو عليه ..
. .
صباحًا ودعت لين بقبلة ووعدتها أن تعود عندما تصير الساعة عند الثانية ويبدو أن لين فهمت أنها ستعود، وتركتها مع سالينا ودومينيك وعلب الألوان والكراسات والألعاب، وكتبت لها رقم موبايلها لتحادثها عندما ترغب ..
وصلت سلمى للعمل وبدا وجه نصر لها أليفًا ، وشعور غامر يملأها، ترغب في تحيته بحرارة وفعلت، مما أثار دهشته ورد التحية بتخوف قليل، وأحس كأنها ترغب في الحديث إليه وتردد في تصديق شعوره، جلست سلمى إلى مكتبها وانكبت تعمل .. وكل قليل تطالع ساعتها، وكل ساعة تتصل إلى المنزل وتتحدث إلى لين بقليل كلمات وتفرح بسماع صوتها بكلمات أقل..
..
أخذت سلمى إجازة لليوم التالي، تعجب المشرف حين منحها الاذن لأنها لم تأخذ إجازة من حين بدأت العمل معهم ، أرادت قضاء مزيد من الوقت مع لين، وعادت للمنزل مسرعة في سيارة أجرة متلفهة للقاء لين، لكنها لم تجد في استقبالها غير دومينيك ينبح مبتهجًا ويدور حولها ، سألت سالينا عن لين ، بدا أن الأخيرة لا تستطيع شرح ما تريده ولا تستطيع التواصل مع من حولها بسبب عائق اللغة فبكت من الضيق ومن محاولات إفهام سالينا ما تريده حتى تعبت ونامت على الأرض، وضعتها سالينا على الكنبة الكبيرة في غرفة المعيشة وغطتها جيدًا، انحنت سلمى على وجه الطفلة الحزين ودموعها الجافة في أطراف عينيها وقبلت عينيها وهي توشك على البكاء، حملتها إلى الغرفة واستيقظت لين في حضن سلمى وهي تصعد درجات سلم الدور الثاني وتعلقت برقبتها كمن وجد شيئًا فقده ، قبلت وجنتها سلمى وابتسمت براحة غريبة كأن ثلجًا كان يتساقط في قلبها وسط ضوء النهار .. 

No comments:

Post a Comment