Popular Posts

Thursday, October 3, 2013

العد التصاعدي - 2

وبعد أن أستقر نصر في كرسيه المؤقت وانغمس في بضعة أوراق ليعدل في بياناتها بقلم أحمر ، كانت تتلصص عليه من حين لآخر وتسأل نفسها باندهاش : كيف يمكن لشخصين أن يتشابها هكذا ؟
وبعد بعض التدقيق لاحظت الكثير من الاختلاف في ملامحه لكن الحضور المتشابه لكليهما هو ما شدها إليه ..
ليس لديهما نفس الأنف والعينيين لا تتشابهان رغم أن لهما اللون نفسه تقريبًا، موضوعتين تحت حاجبين ليس فيهما ما يميزهما غير فوضاهما الواضحة لكنها ليست بغيضة بكل الأحوال، الشفتين تنطبقان بشكل مضحك كأن أحدهما يستعير شفتي الآخر وابتسامته الساذجة المنفرجة عن أسنان مرصوفة بغير أي عناية بلون ليس أبيضًا ولا مصفرًا ، الجبين هو نفسه لدى الشخصين أيضَا .. لكن هناك الكثير من الاختلافات التي تجعلهما شخصين مختلفين لو وقفا بجوار بعض .. إذا هو الإحساس الذي يطبعه كلاهما في حضوره ما يجعلها تشعر أنهما متشابهين بشكل صادم ..
نصر أيضًا كان يتلصص عليها حين تدفن نفسها في أوراقها وفي شاشة حاسبها، بفضول يناسب شخصية الكلب التي يحملها، بتلك الطريقة الذليلة التي يشاهدها بها وهو يتظاهر بأنه لا يفعل وفي الوقت نفسه لا يشعر بنظراتها التي تتسلل إليه وتفحصه شبرًا شبرًا، يتطلع إليها بجوعٍ وخنوعٍ وعدم قدرة على المبادرة بأي كلمة ولا حتى أي حركة مبادرة أو حتى إظهار أي اهتمام، أو اعتذار عن مزاحمتها في مكتبها العطن الممتليء بالأوراق والأرف الحديدية ذات المسامير الصدئة تعبق رائحتها وتمتزج بالغبار والأوراق القديمة وفتات الزمن المنسي في هواءها المخنوق والذي لا يتجدد إلا من باب الغرفة الصغير، وحتى في تلك الإضاءة الخافتة المتناسبة مع عطانة الجو كان قادرًا على تبين ملامحها المدفونة تحت خمسين كيلو إضافية محملة على جسمها الذي ينوء بحمله ويتمنى أن يخلع ثوب هذه الشحوم ويخرج بهيئته الجميلة والحقيقية التي تختفي ولا يمكن لأحد أن يراها.

سلمى ببساطة أدركت أن نصر الجالس في المكتب قبالتها بشخصيته المقرفة ليس سوى مصدر إزعاج لجوعه وفضوله لا أكثر، وليس مصدر تهديد قطعًا، ولا يشبه الشخص الآخر صاحب الشخصية التمساحية وهذا ما جعلها تنفر منه بشكل طبيعي كأنه عاد فجأة مخلوقًا غريبًا عنها بعد أن شعرت لوقتٍ قصير بأنه مألوف.
انتهى الدوام الطويل لهذا اليوم أخيرًا وانطلقت تلملم أغراضها بخفة لا تتناسب مع وزنها الهائل وأعادت نظارتها إلى علبتها وألقتها في حقيبتها وأسرعت بالمغادرة مرورًا بحافظة التوقيع وخربشت اسمها بعجالة وأسرعت إلى الشارع لتوقف أول سيارة أجرة تصادفها ..
لا يريد
 هذا اليوم أن يسير بهدوء أبدًا ، فسائق سيارة الأجرة التي أوقفتها يقودها بسرعة هائلة والنوافذ مفتوحة يندفع منها الهواء بقوة،  شعرت كأنها تحلق في طائرة صغيرة وتمسكت بمقعدها وهي تحبس أنفاسها مرعوبة وتمر في ذاكرتها صورة الحادث الذي مرت به قبل سنواتٍ طويلة .. ومنعها كبرياؤها من سؤال السائق أن يخفض السرعة قليلًا واستمرت الرحلة المجنونة وقطعت السيارة مسافة 20 دقيقة في خمس دقائق لا أكثر وحين شعرت ببعض الطمأنينة لاقترابها من المنزل أخطأ السائق الطريق الفرعي وطالت المسافة لتشعر بكثيرٍ من الاختناق وهو يزيد سرعته ليلتف من شارعٍ آخر ويعود إلى الطريق....
(يتبع )

No comments:

Post a Comment