Popular Posts

Friday, October 4, 2013

العد التصاعدي- 3

بعد رحلةٍ قصيرةٍ إلى المنزل بدا كأنها استغرقت آلاف العواطف وأحرقت طاقة سلمى كلها؛ وصلت سلمى لما يمكن أن يسمى منزلها، فهي تعيش هنا منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، مع عمتها العجوزالعانس وبضعة من أبناء الأقارب الذين ليس لديهم مأوى  سوى هذه العمة العجوز ومنزلها الذي تديره بما يرسله أهل هؤلاء الأبناء العاجزين عن الاعتناء بأبنائهم بأنفسهم. سلمى بقيت هنا اضطرارًا بعد وفاة والدها وزواج أمها من رجل آخر واختفائها في بلادٍ بعيدة، مجبرة على البقاء هنا في مجتمعها المعتوه رغم كراهيتها لهذه الحياة وكراهيتها لعمتها العجوز ذات العقلية المريضة.
دخلت من الباب وألقت التحية وردت عمتها العجوز عليها، ثم أخبرتها أن الغداء معدٌ في المطبخ وأنها لا ترغب في تناول وجبتها معها، سألتها عن ابن عمها مصعب - الذي يعيش معهم في نفس المنزل- ، فأجابت العجوز بعيونٍ شبه دامعة : يريد الانتقال لشقة مع زملائه، ولم تدرِ سلمى هل دموع العجوز حزنًا على المال أم على الصبي !
كانت سلمى تعمل وتساهم قليلًا بشكل أو بآخر في مصروفات المنزل من راتبها الجيد، وتدخر بعضه، كما أن عمتها كانت تستلم مبلغًا شهريًا من تركة والد سلمى تدرها التجارة التي لازال أعمامها يديرونها بعد موته وموت الجد، بمعنى آخر كانت سلمى تعيش في منزلٍ فاخر وحياة أعلى من المتوسطة ، وبوسعها لو أصرت أن تحصل على حياة مرفهة ومريحة لو رغبت، لكنها تصر على الخروج من سلطة العمة الكئيبة وسلطة الأسرة المزعجة بمحاولات الاستقلال المادية من بضعة سنوات.
اندفعت سلمى إلى غرفتها بدون المرور على المطبخ، فقدت شهيتها العظيمة عندما دفعتها عمتها قسرًا للتفكير بحياتها، لم لا يمكنها هي الآخرى الانتقال لمكان تعيش فيه مع صديقاتها أو حتى لوحدها؟ .. ليتها كانت صبيًا كمصعب! أو بالآحرى ليتها تملك حريتها! لا ينقصها شيء لتصبح حرة .. تجاوزت الثلاثين .. مستقلة ماديًا ، ناضجة فكريًا ونفسيًا، يعيبها في هذا المجتمع أنها امرأة وأنها تقريبًا عانس كعمتها العجوز، لم تستطع الحصول على زوجٍ جيد ولم تقبل بمن جاءها من الرجال، والرجل الوحيد الذي أحبته نهبها مالها بدموعه المبتذلة التي صدقتها آنذاك بكل سذاجة، وما عدا ذلك لا حظ لديها بالرجال أو معهم.
كان الوقت عصرًا حين فتحت نافذتها و ألقت نفسها على سريرها تحت نافذتها المفتوحة وبحلقت تتابع الستائر التي تروح وتجيء مع الريح وتكشف عن السماء والسحاب البديع لشهر أيلول، سحبت قميصها واشتمت رائحته .. جعدت أنفها وهي تشم رائحة العرق التي تغرقه و حدثت نفسها بالنهوض للحصول على حمام دافيء، وقفت أمام المرآة تطالع نفسها، ما الذي سيرغب به أحد ما في كومة الشحم هذه ؟ تبحث عن نفسها التي تذكرها في صباها.. ولا تجد تلك الصبية الجميلة الخفيفة مهما حدقت وحدقت في المرآة  .. لا يوجد أمامها سوى كتلة من الشحوم ووجه بغير عمر محدد .. لا يمكن معرفة إن كانت في العشرين أم في الأربعين لكن جسدها يبدو لامرأة أنجبت عشرة أبناء واحدًا تلو الآخر دون توقف ولا رحمة.
تحمل منشفتها وملابسها وتتجه صوب الحمام لتغرق نفسها بالماء الدافيء والصابون المعطر وسائل الاستحمام برائحة اللافندر العميقة وفجأة خلال استحمامها تسمع صوت صراخ عمتها وبكاءها ويتداخل معه صوت مصعب يتشاجر معها .. 

No comments:

Post a Comment