Popular Posts

Saturday, October 5, 2013

العد التصاعدي - 4

كانت العمة تصرخ بتشنج وتتوسل وتبكي : لا تذهب يا مصعب ، لم تبيعني بعد كل السنوات التي ربيتك فيها ؟ ابقَ هنا وكن رجل البيت أرجوك ..
لا دموعها تؤثر فيه ولا حرقة قلبها وكان يرد عليها : هل تسمين هذه حياة ؟
يكفيك البقرة التي تسمنينها بالأعلى سلمى .. استمتعي بتعفنها عندك للنهاية ..
غاضبًا ومحترقًا ومتألمًا وساخطًا خرج وأغلق الباب بعده يتمنى في نفسه ألا تكون سلمى قد سمعته، فلا ذنب لها في ما يحدث له..
لكنها كانت قد سمعت حوارهما وكلماته القاسية، ولم تتغير تعابير وجهها إطلاقًا ..
أيًا كان ما سيطلقونه عليها : بقرة أو خنزيرة أو دبابة فهي لا تأبه ..
لم تكن ضخمة بالمعنى الحقيقي، لكن بنيتها الصغيرة اختفت بسهولة تحت كومة الشحوم، ورغم محاولات إنقاص  وزنها الكثيرة والقاسية والطويلة استسلمت أخيرًا لدفن كآبتها في أطباق الطعام وأنواعه، لم يعد يجرحها ما يصفونها به، فهي تقريبًا شبه معزولة نفسيًا وتحمي نفسها بتجاهل كل ذلك أو التظاهر بأنها لا تبالي والانكماش على نفسها في عالمها، تقضي ساعات من الوقت تحدق في سقف الغرفة أو السماء من نافذتها الكبيرة أو تتسلى بقراءة روايات رومانسية تافهة مكررة بذات الأحداث والنهايات والمغزى ..
في أحيانٍ كثيرة يبدو أنها توقفت عن القتال في حياتها أو التساؤل لما يحدث لها ذلك ؟وتوقفت عن إقناع نفسها أنه يمكنها تغيير أي شيء، فلتبقَ ساكنة مثل بذرة نبات لم تواتها الظروف للنمو وبانتظار المطر تحت سطح التربة ليفجر الحياة فيها ..
لكن في الحقيقة كانت سلمى تعاني من علامات إكتئاب حادٍ نشأ معها منذ الطفولة وتعمق في روحها، ويظهر ذلك واضحًا في الكوابيس التي لم تنقطع لأكثر من ليلتين أو ثلاث طوال الأعوام الخمسة وعشرين الماضية، وفي تفريغ مشاعرها بالتهام كميات كبيرة من الطعام، وكذلك عانت في صغرها من أزمات عاطفية وتمزق نفسي شديد، بينما اصبحت في عمرها الآن أشبه بكائن لا تفاعلي مع ما حوله ..
أنهت حمامها وارتدت ملابسها بآلية دفاعية كأنها فصلت اتصالها حتى بنفسها ، ألقت نفسها على سريرها تحت النافذة وبقت تحدق في السماء لوقت طويل حتى غفت ..
..
في الصباح التالي استيقظت وهي لا تتذكر شيئًا عن ليلة البارحة، اتجهت إلى عملها كالمعتاد ، لم تتذكر نصر الذي يشاركها مكتبها إلا حين دخلت المكتب ووجدته جالسًا أمامها، شعرت بمغصٍ في بطنها ورمت نفسها على كرسيها دون إلقاء التحية، وبهذا أظهرت نفورها منه مباشرة، أما هو فقد قرر اليوم أن يمد لسانه ويلهث قليلًا ، بادرها بالتحية : صباح الخير آنسة سلمى . .
التفتت إليه ووضعت عينيها في عينيه وبدتا عينيها خاويتين مخيفتين حتى أنه أرجع ظهره للخلف وبدأ يخفض رأسه ويلوم نفسه على حماقته ، وفجأة ابتسمت ببرود وقالت : صباح النور أستاذ نصر، لم ألحظ وجودك!

No comments:

Post a Comment