Popular Posts

Wednesday, October 2, 2013

العد التصاعدي - 1

تجلس على مكتبها بخمول هذه الأيام، لا شيء ينعشها ويعيد لها حيويتها، تفكر مرارًا في أن هذا العمل أقل من قدراتها وما تملكه من مهارات ، وأن كل ما صقلته طوال السنوات الماضية سيذهب هباءً إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، لن تتقدم وكل ما بذلته لن يعني شيئًا ، لكنها بحاجة ماسة لهذا العمل .. أو هذا ما يفرضه الواقع المبتذل لشخصٍ يدعي أنه يحاول الخروج عن النمطية والتقليد لكنه ينكمش في بيضة نفسه متجنبًا القتال مع الآخرين .. 
 سلمى  اليوم تسير في عامها الواحد والثلاثين رغم أن  ذلك لا يبدو عليها مطلقًا ، سأصفها لكم بدقة في يومٍ آخر.. لأني سأتحدث عن شيء آخر اليوم.
 من بضعة أشهرٍ التحقت بوظيفة إدخال البيانات هذه في منظمة تهتم بشؤون اللاجئين ، عملية مملة ومكررة وتسير بسياق واحد كل الأيام ، لا يتغير فيها إلا كم الأوراق التي ينبغي أن تحول بياناتها إلى مدخلات رقمية مرمزة بشكل بسيط، وهكذا تمر أيامها يتخللها كوب قهوة أو قطعة بسكويت تسحقها بين أسنانها وتدفنها في بطنها إلى جوار آلاف السعرات الآخرى يوميًا والتي تتحول إلى بطن تكبر وتكبر من الجلوس إلى شاشة الحاسب لساعات طويلة .
هذا الصباح مختلفٌ قليلًا ..
هناك شخصٌ يشاطرها المكتب، ولو لبعض الوقت، تم نقله من مكتبه لفترة قصيرة بسبب عمليات تنظيف الجرذان التي التهمت الملفات وتكاثرت في المخزن تحت كومات الملفات والدواليب القديمة هذا الربيع ، لنتوقف قليلًا عند لحظة مجيء هذا الشخص: 
طرق الباب المشرف العام على قسم البيانات والأرشفة : آنسة سلمى .. هل يمكن لزميلنا نصر مشاركتك المكتب لبضعة أيام خلال عملية إبادة الجرذان في مكتبه ؟
هزت رأسها إيجابًا بلا مبالاة ودون ذرة فضول واحدة لتهتم بمن يكون هذا نصرالذي سيشاركها مكتبها ..
تم نفض الغبار عن مكتب مجاورٍ لها لا أحد يستخدمه وجلب عامل النظافة كرسيًا بحالة جيدة ..
ثم طرق نصر الباب ..
رفعت رأسها لترد تحيته بلباقة عامة عادية .. لكنها لدهشتها أخذت تبحث عن نظارتها التي كانت على عينيها ..
"إلهي كم يشبهه!"
كان نسخة منه .. بل كأنها تراه مشوشًا قليلُا وبدون نظارات .. 
تمتمت وأنفاسها تتصاعد ..
أخفضت رأسها ودفنته في كومة ورقها مجددًا بعد أن ردت تحيته
لم تجرؤ على رفع وجهها ولا النظر في عينيه ، مرعب أن تلتقي بشخص يشبهه إلى هذا الحد بعد أن عجزت عن رؤيته لخمس سنوات رغم أنهما يعيشان في نفس المدينة ..

(يتبع)

No comments:

Post a Comment