Popular Posts

Saturday, June 21, 2014

"حبة أمل كل صباح -3- " بقلم : ص. ع

حادثة أخرى تميز طفولتى وهى حادثة تحرش ابن عمتى بى , كنت صغيرة ولا أعرف شيئا من الحذر والحيطة يوما قالى لى " تعالى معايا وأنا أجيبلك برتقانة بصرة " نوع من البرتقال وذهبت معه مسافة طويلة على كطفلة وفى أول جنينة البرتقال راح يتفقد الشجر ويقول " لا مش دى " ثم يتوغل أكثر فى الجنينة وهكذا حتى أبتعدنا عن الطريق ثم جلس على الأرض وأجلسنى على حجره وطبع قبلة كريهة حقيرة على وجهى وقال لى " مرة واحدة بس " هنا أستغربت ما فعل بدأت الجرى والهرب . كنت غير متأكدة من توقيت هاتين الحادثيتين أيهما سبقت الأخرى ولكنى الأن متأكدة أن حادثة التحرش سبقت الطهارة لأنى وبعد الطهارة ومما جربته من ألم لم يكن شئ على الأرض ليغرينى بالذهاب وحدى مع أى شخص على وجه الأرض ولو كان أبى فكانت حادثة التحرش أسبق من حادثة الطهارة .
أمى
أهم شخصية فى حياتى ,يلزمها مجلدات وكونسلتو أطباء نفسيين لدراسة شخصيتها وتحليلها وعلاجها . جدتى لأمى كانت أقوى وأكثر شجاعة من أمى تزوجت ثلاث مرات الأولى أنجبت بنتا ثم تطلقت وتركتها لأبيها ثم تزوجت جدى لأمى الذى أنجبت منه ولدا وبنتا هى أمى وكانت الكبرى ثم مات جدى وأغوى شقيقه جدتى لأمى لتتزوجه وأغراها برعاية الطفلين وكتابة ما يملكه من أرض بإسمهما وفعلا تزوجته ومعها طفلاها –أمى وخالى- وأأكتشفت أنه فخا ووقعت فيه عاملها أسوأ معاملة وكان عقيما لا ينجب مريضا بالنقص فجعلها وطفلى أخيه خدما له وعايرها بلقيماتها هى وطفلاها فلم تحتمل فتطلقت  وعندها ثار أخوان أمى من أبيها ( من زيجات سابقة) ورفضوا أن تربى جدتى أمى فكونوا مجلس رجالة وخيروا أمى وكانت صغيرة بين أن تذهب مع أمها أو تبقى معهم وأختارت أمى أشقائها ولا أعرف لماذا !!!! تربت مع أخوانها الكبار وزوجاتهم بلا حنان أم وحيدة لم يحاول أحد أن يحاورها  أو يعلمها شيئا أكثر من تدريبهم للبهائم على حمل الأثقال أو الدوران فى السواقى وأهملوها حتى فقدت إحدى حبيبتيها وأستعملوا معها طرقا بدائية قال ايه ثقبوا لها ثقبا بوجهها من جهة عينها المصابة واهملوا نظافة الثقب فنما به الدود .كبرت أمى ولم يطلبها للزواج الكثيرون وهنا يظهر أبى الرجل الطيب المتسامح الذى كان يحب فتاة أخرى ويريد الزواج منها ولكن جدى لأبى رفض وأختار له أمى لأنها كانت حمالة حمول بإختصار حمارة شغل كما يقولون وأكان أبى الثالث فى الترتيب بعد أخ وأخت والثانى فى الأولاد وكان أخوه الأكبر متعلما ومستقلا فكان جدى يحسن معاملته هو وزوجته فى حين أن أبى خرج من التعليم مبكرا وكان شقيا فى طفولته متكلا على أبيه فى النقود مقابل عمله فى الحقول وفى رعاية البهائم فأختار له أمى لتكون نصفه الثانى فى الحقول وفى رعى البهائم وفعلا كانا متماثلان فى كل شئ !!!! يعملان فى الحقل وينظفان الزرائب وتحلب أمى البهائم وتجبن وتسمن ( أى تصنع الجبن والسمن) ثم يذهب منه على الجاهز لزوجة عمى المتعلم المستقل ماديا . طوال حياتها لم تعرف أمى ماذا تريد تترك نفسها لمن حولها كما السفينة بدون ربان بين الأمواج المتلاطمة ولا تفعل شئ سوى إستفزاز من حولها بسلاطة لسانها فيضربوها ويهينوها بدءا من زوجها وابوه وأمه بل وأخوته ثم تلعب دور الضحية المجنى عليها !!! لم تحاول بالتفاهم مع زوجها أن يتركا هذا البيت الظالم أهله بل ظلت فى دورانها بالساقية حتى طردها جدى ووالدى وأشقائى الكبار فخرجوا ليس لديهم شئ وهنا بدأ مسلسل أخر من الشقاء فى حياة أمى وهو شئ أحملها عليه جزءا كبيرا من اللوم كانت أمى مندفعة ومتهورة وتستفز

من حولها تستكثر نفسها على أبى الذى لم يستتها فى البيت ويهننها كما نفر قليل من النساء على أيامها ممن عرف عنهم التعلم أو الثراء ودائما أبدا تردد" أنا كنت حلوة " . أهتمت أمى فى حياتها بشيئيين نفسها وجمالها ومعاناتها بين أخوانها غير الاشقاء وزوجاتهم وما قاسته من أهل أبى وعدم حماية أبى لها وقلة خبراته فى الحياة التى جعلتها تهينه وتعايره وتستفزه فى كل مناسبة كبيرة أو صغيرة والثانى إخوانى الذكور لأنه حسب القول المأثور من جدتى لأمى " الولد بيقيم بشيلة أمه " يعنى يعززها ويكرمها أمام الناس فتستعوض بهم عن النقص الذى شابها وهو عينها .جعلت حياتنا معها جحيمين, جحيم هجومها الدائم على أبى ومعايرته وإستفزازه والتقليل من شأنه فيكون رد أبى عنيفا فيضربها ضربا شديدا لعلها تتوب ولا تتوب أبدا وجحيم تميزها للذكور وإفسادهم وتدليلهم لدرجة التأليه حيث لا يجب أن تؤنبهم أو تعنفهم أو تغضب منهم لأى سبب وتميزهم فى حسن المعاملة واللين وعدم رفض أى طلب لهم والأغداق عليهم بالمال من شقائها المستمر فى أراضى وحقول الغير والقيام بعمل نوع مخصوص من الخبز للناس !!!!

Friday, June 13, 2014

حبة أملٍ كل صباح - 2 - بقلم : ص. ع



لا لا أذكر بالتحديد كم كان عمرى وفى أيّ صفٍ كنت ولكنى كنت بين الثامنة والعاشرة،  حين جاءت اختى الكبرى وحممتنى وألبستنى ملابس نظيفة،  وقالت لى "هنروح فرح عند ستك خضرة" وتحمست وذهبنا سويًا، وبالفعل كان هناك تجمهر كبير وفجأة وجدتنى وحدي ولا آثر لأختى، ووجدت شبابا تحت العشرين يمسكونى ويرفعونى على مكتب كبير ولا أدرى ماذا يحدث ثم يكشفونى نصفى السفلى ولم أدرِ بنفسى إلا وأنا  أفلت يدي ممن كانوا يقيدونى للمكتب وأصفع رجل أشيب الرأس على وجهه صفعة كبيرة طار لها عقله وعاد ليقول: " آه يا بنت الكلب واللهى لأقطعهولك كله" وأشتدت أيادى الشباب على كيلا أفلت منهم ثانية وبدأ الرجل الذى كان حلاق الصحة أنتقامه من طفلة عزلاء وحيدة وكان انتقامه منى مؤلما فغرز فى عصب بظري إبرة طار لألمها عقلى، وراح يقطع كل أعضائى الجنسية وأنا أصرخ وأستغيث وأستنجد بمن حولى طالبة الرحمة ولا مغيث ، وأرفع رأسى فأرى أمى على بعد تبكي لبكائى ولا تتحرك ومن كثرة ما بكيت وتألمت نمت، وأفقت وياليتنى ما أفقت ليتنى مت مع من ماتوا بالنزيف من جراء هذه العملية، أفقت فوجدت نصفى السفلى ملفوفا بطبقات كبيرة وكثيرة من الشاش !!!!!!! الجزار أقصد الحلاق كان حريصا على حياتى حتى أدفع ثمن صفعتى له من ذكرى ألمي الذى لا ينتهي ألم صدمتي فى أهلي متمثلين فى أختي وأمي وصدمتى فى الناس متمثلين فى النسوة الجالسين الى جوار أمى وصدمتي فى الآخر  فى الشباب الذى قيدني وألمي الجسدى الرهيب ......

لم يمريوما تذكرت فيه طهارتى إلا وانهمرت  دموعى بكثافة ..  آه ياربى ماذا فعلت يالمهانتى حين يقيدنى ويكشف جسدى شباب لا أعرفهم ولم أسئ لأحدهم لرجل منزوع من قلبه الرحمة يجزل منى كما يريد .

حبة أمل كل صباح - 1 - بقلم : ص. ع



أفكر فى نقطة تصلح كبداية لقصتى ولا أجد شيئا واضحًا، كل  الأحداث والأشخاص أصبحوا  متداخلين بشكلٍ مشوشٍ في ذاكرتي، لذلك سأركز على القليل الذى أحسن تذكره، وسأبدأ من طفولتى حيث تبقت ذكرى واضحة وهي كلمة "يا مسكرة" كما اعتاد أبى أن ينادينى، وإعجاب أقاربى المحيطين بنا بجمالى وهو ما عبروا عنه بكلمة " أم شعر أصفر " التي كانوا ينادونى بها فى منطقة يملؤها أناس غامقي البشرة ومتجعدي الشعر، ما جعل " الشعر الأصفر "  فى رأيهم من علامات الجمال.

 أظن الآن أن طفولتى كانت لتكون جميلة، كنت الصغرى والمدللة من أبي على الأقل وإلى حد ما من أخوانى، وكانت عائلتنا كبيرة العدد بسيطة الموارد؛ ومع ذلك كانت جميلة، كنا نعيش على أطراف قرية يمكن عد بيوتها على أصابع اليدين، وكانت لى صديقة أحببتها من كل قلبى اسمها فاطمة كان أبوها ضريرًا متعدد الزيجات وكانت أمها الأخيرة وأنجب منها فاطمة ومحمد، ويومًا  كان محمد يصطاد بالكهرباء من المشروع – المشروع هو مجرى مائي شقته الحكومة ليجرى فيه الفائض من إحتياج الأرضى الزراعية من الماء-  وللأسف صعقته الكهرباء وبعد سنوات مات أبوها ثم أخذتها أمها وانتقلت للمركز لتعيش قريبا من أخوالها، ومرت أعوام تقل قليلًا عن العقدين، وكنت وقتها بكلية الأداب - قسم اللغة الفرنسية، وذات يوما قابلت فتاة أحسست نحوها باهتمامٍ شديد كما شعرت هى، ونظرنا لبعضنا طويلاً وتعارفنا فكانت هى فاطمة تدرس هى الأخرى بكلية التربية قسم لغة فرنسية وبعدها لم أسمع عنها شيئا . 

Sunday, October 13, 2013

العد التصاعدي -8

أسرعت سلمى ووضعت الطفلة في حضنها وضمتها إلى صدرها، وطفقت تمسح دموعها وتحاول تهدئتها، بكت الطفلة حتى تعبت وسكنت ، ناولتها سلمى كوبًا من الماء، وحملتها بين ذراعيها صوب الحديقة خلف المنزل، لاعبتها طوال فترة الظهيرة بالمراجيح وكرات قديمة موجودة من وقت طويل وقطفتا الأزهار معًا وعلقتاها بشعريهما وركضتا وراء الكلب حتى تعبتا من الركض، وحين بردت الشمس قليلًا عادتا للمنزل، غيرتا ملابسهما كأم وابنتها لا توجد لغة تواصل بينهما غير الإشارة وبعض الكلمات البسيطة التي بدأت لين تفهمها قليلًا واستعدتا للخروج معًا لتناول الغداء، تركت دومينيك في الحديقة بعد أن قدمت له الغداء، ركبتا سيارة أجرة ونزلتا عند مطعم قريب يقدم وجبات للأطفال وتناولتا وجبة لطيفة ، تورد خدا سلمى ولمعت عيناها بشغف غريب، واستعادت حياة قلبها وهي تستكشف حياة جديدة في عيني لين الجميلتين، تستمد بهجتها من ابتسامة لين الهشة وضحكاتها الخجولة المقصوصة من بهجة الربيع ..

سلمى التي لم تحظ بأم إلا لسنوات عمرها الخمس الأولى كانت تعرف بقلبها ما ينبغي على الأم أن تقدمه لابنتها وما عليها أن تفعله، الحرمان الذي عاشته خلق في ذهنها صورة متكاملة عن الأم كانت بحاجة إليها، وبلا وعي كانت تصنع صورة من ذهنها وتكون أمًا للين .. تلمس شعرها وتسأل نفسها بقلبٍ واجف: كيف استطاعت أم لين أن تترك طفلة بهذا الجمال وهذه الوداعة ؟

بعد الغداء طافت بها سلمى في محلات الألعاب، والمكتبات ومحلات الملابس، اشترت لها ألعابًا ودمىً وكراسات رسم وتلوين وأقلام ملونة كثيرة وملابس خفيفة للعب والمنزل، لم يكن منزل العمة مليئًا بالفتيات، غالبًا كان الذين يأتون للمنزل فتيانًا وصبيانًا، كانت سلمى هي الفتاة الأخيرة ، وحين أتت كانت هناك فتاة شابة تزوجت بعد عامٍ من بقاء سلمى معها، أحبتها سلمى وقتها رغم أن الفتاة كانت لا مبالية ولم تأبه لوجود سلمى قط، ومن حين غادرت لم تأتِ فتاة واحدة .. لذا ابتهجت سلمى بحضور لين..واشترت لها ألعابًا بناتية كثيرة يخلو منها البيت الكبير ..
عادتا للمنزل بعد جولة مرهقة، أعدت سلمى للين وجبة عشاء خفيفة بنفسها وهدهدتها بالأغاني الطفولية التي تذكرها حتى نامت لين في حضنها ونامت سلمى معها، لأول مرة من سنوات طويلة تنام سلمى بقلب خفيف كورقة توت ترقص في نسيم الليل الربيعي الممتليء برائحة ملكة الليل مخمرة بالياسمين ..
نامت سلمى وحتى وجهها بدا أجمل بكثير وشعرت أن جسدها أخف مما هو عليه ..
. .
صباحًا ودعت لين بقبلة ووعدتها أن تعود عندما تصير الساعة عند الثانية ويبدو أن لين فهمت أنها ستعود، وتركتها مع سالينا ودومينيك وعلب الألوان والكراسات والألعاب، وكتبت لها رقم موبايلها لتحادثها عندما ترغب ..
وصلت سلمى للعمل وبدا وجه نصر لها أليفًا ، وشعور غامر يملأها، ترغب في تحيته بحرارة وفعلت، مما أثار دهشته ورد التحية بتخوف قليل، وأحس كأنها ترغب في الحديث إليه وتردد في تصديق شعوره، جلست سلمى إلى مكتبها وانكبت تعمل .. وكل قليل تطالع ساعتها، وكل ساعة تتصل إلى المنزل وتتحدث إلى لين بقليل كلمات وتفرح بسماع صوتها بكلمات أقل..
..
أخذت سلمى إجازة لليوم التالي، تعجب المشرف حين منحها الاذن لأنها لم تأخذ إجازة من حين بدأت العمل معهم ، أرادت قضاء مزيد من الوقت مع لين، وعادت للمنزل مسرعة في سيارة أجرة متلفهة للقاء لين، لكنها لم تجد في استقبالها غير دومينيك ينبح مبتهجًا ويدور حولها ، سألت سالينا عن لين ، بدا أن الأخيرة لا تستطيع شرح ما تريده ولا تستطيع التواصل مع من حولها بسبب عائق اللغة فبكت من الضيق ومن محاولات إفهام سالينا ما تريده حتى تعبت ونامت على الأرض، وضعتها سالينا على الكنبة الكبيرة في غرفة المعيشة وغطتها جيدًا، انحنت سلمى على وجه الطفلة الحزين ودموعها الجافة في أطراف عينيها وقبلت عينيها وهي توشك على البكاء، حملتها إلى الغرفة واستيقظت لين في حضن سلمى وهي تصعد درجات سلم الدور الثاني وتعلقت برقبتها كمن وجد شيئًا فقده ، قبلت وجنتها سلمى وابتسمت براحة غريبة كأن ثلجًا كان يتساقط في قلبها وسط ضوء النهار .. 

Saturday, October 12, 2013

العد التصاعدي - 7

للمرة الأولى بسنوات عمر سلمى الواحدة والثلاثين يذوب الجليد الذي حول روحها، وتشعر بالقوة لحماية أيٍ كان، استيقظت غريزة الأمومة البدائية لديها، ورغبت بشدة في حماية هذه الطفلة مما تعرضت له في صغرها،  أرادت أن تقول كل الكلمات التي لم تستطع قولها منذ كانت بالخامسة، وحررت نفسها من الخوف الذي عاشت فيه كل هذه السنوات الطويلة، وواجهت عمتها، واتخذت قرارها بالاعتناء بهذه الصغيرة حتى يعود والدها، دون أن تحسب صعوبات وعقوبات هذا القرار الصعب والغريب تمامًا عما واجهته في حياتها.
بدون كلمة واحدة أشارت لسالينا بأنها ستتدبر الأمر،وحملت الطفلة على ذراعها، وسحبت الحقائب بيدها الآخرى، لم تنظر إلى عمتها مطلقًا إنما شعرت جيدًا أن عمتها في موقف العاجز وارتاحت لهذا الشعور كثيرًا، تبعها الكلب ودخلوا غرفة سلمى وأغلقت الباب.
بدت الطفلة مرهقة جدًا أو هكذا خيل لسلمى لأنها جاءت من بلاد بعيدة في رحلة طويلة، أخذتها واحتضنتها وأمسكت  بيدها ودغدغتها، وبدا أن الطفلة تضحك وتشعر بالراحة والأمان مع سلمى ، وسلمى شعرت بكثير من الحياة في وجود هذه الطفلة، الكثير من المشاعر التي لم تشعر بها من وقت طويل، الكثير من الإنسانية التي افتقدتها في حياتها التي تدور بها كساقية ماء تأخذها وتعيدها إلى النهر الذي تسير فيه كل يوم، نزعت ملابس الطفلة عن جسدها القمحي ذو الجلد الشفاف، وملأت حوض الاستحمام بماء دافيء وصابون سائل معطر، أخذت ألينا والكلب إلى الحمام ولعبوا طويلًا هناك قبل أن تغسل سلمى شعر ألينا البني وتدعك جسدها جيدًا وتقوم ألينا بغسل كلبها وهو ينزلق من يديها الصغيرتين وينبح بابتهاج ، نشفت سلمى شعر ألينا وألبستها ثوبًا أبيضًا بلون سماويٍ فاتح ليس عليه أية أزهار أو تفاصيل كثيرة، بسيط جدًا بدت فيه ألينا جميلة ومهندمة خاصة بعد أن مشطت سلمى شعرها إلى ذيلين منخفضين تحت أذنيها وتركت باقي شعرها البني ينساب على كتفيها ، سلمى أيضًا استحمت وارتدت ملبسًا قطنيًا بلون أخضر يظهر بياض بشرتها كثيرًا، بعدها نزلوا مجددًا لصالة الطعام وتناولت ألينا وجبتها بإشراف سلمى، وحضرت سالينا وجبة للكلب دومينيك الذي تناولها مبتهجًا.
أخذتهم سلمى للغرفة واستلقت بجوار ألينا التي بدت هادئة وخاملة وناعسة، نام الكلب الصغير بينهما على سرير سلمى، وأخذت سلمى تحدث ألينا التي لا يبدو أنها تفهم كثيرًا مما تقول : أنا سلمى ... سأدعوك لين ..
أشارت إلى نفسها : سلمى .. سلمى ..
همست ألينا : سلمـــى..
ابتسمت سلمى وأشارت إليها : لين ..
قالت ألينا : ألينا (وكأنها فهمت أنها تناديها باسم آخر)
أعادت سلمى : لين .. سأدعوك لين ..
ابتسمت ألينا : لين ..
قالت لها سلمى : أنت جميلة يا لين .. وطبعت قبلة صغيرة على جبينها أعلى ما بين عينيها ، وابتسمت لين باسترخاء شديد وكأنها تعي المديح الذي تسمعه أو تشعر بشعور سلمى نحوها ..
أغمضت عينيها ونامت لين بوجه ملائكي جميل أذاب قلب سلمى ، وتمنت لو أن هذه اللحظة تدوم للأبد، هي بمشاعرها هذه كلها، ولين النائمة كابنة أحد الآلهة برموشها الطويلة وشفتيها الصغيرتين شبه المفتوحتين وشعرها الذي يضفي عليها سحرًا وسلامًا وبساطة على بساطة فستانها السماوي ، والكلب الصغير النائم ما بينهما بسلام وأمان، وتعجبت سلمى قليلًا لأنها أحبت وجود هذا الكلب رغم أنها لم تحب الحيوانات قط .. 
غطت سلمى لين وظلت بجوارها تراقب أنفاسها ووجهها وجمالها الذي خطف أنفاسها، وتمنتها لنفسها، أن تمتلك هذه الطفلة للأبد ، وأن تبقى هذه اللحظات الساحرة لآخر العمر ..
بعد ساعة من الوقت فتح الكلب عينه وأخذ يدور حول لين بينما سلمى تحاول ابعاده عنها لئلا يوقظها، وفتحت لين عينيها بسبب حركة كلبها وقفزه عليها .....
للوهلة الأولى شعرت لين بالخوف والصدمة لأنها وجدت نفسها في مكانٍ غريب لم تتذكر أنها جاءت إليه، ولم تر وجه أبيها ولا وجه أمها، وبدأت بالبكاء ..

Wednesday, October 9, 2013

العد التصاعدي - 6

نامت سلمى لليلة آخرى بعمق كالميتة على الأرض حيث نهشت جلدها وجمعت كآبتها وانكمشت على روحها، 
نامت حتى الصباح بعد شروق الشمس أكثر من أيام الأسبوع العادية، بغير وعي كان جسدها قد تبرمج على النوم المزيد قليلًا أيام العطل، ولم توقظها صوت العصافير التي تحمل الشمس من خلف الجبال وتعلقها في أعلى السماء في الصباحات الربيعية المدهشة ..
أيقظها صوت بكاء طفلةٍ صغيرة وبعض الصخب في الطابق السفلي من المنزل حيث المطبخ وغرف المعيشة والضيوف.
فتحت عينيها بصعوبة كأنها شربت وثملت ونامت، هذا ما يفعله البكاء المرير طول الليل، وما تفعله الكآبة الشديدة دون أي تفريغ عاطفي أو نفسي، أصغت للفوضى قليلًا؛ كان صوت عمتها المجنون يتحدث بصوت عالٍ أو ربما كانت تصرخ فحسب ، فهذا الصوت لا يمكن أن يؤثر فيها بعد كل تلك السنوات لأن أذنيها اعتاداتاه، وثمة نباح كلبٍ صغير أيضًا بالاضافة إلى بكاء الطفلة المتقطع والهائج، ورجلٌ غريب يبدو من نبرة صوته كأنه بائع يتفاوض .. وروائح الافطار الشهي الذي تعده سالينا الاندونسية تتصاعد مع كل هذه الفوضى ..
همست سلمى لنفسها : لا بد أنه حلم، وأغمضت عينيها ثانية لثوانٍ قليلة وفتحتهما أكثر نشاطًا ..
أسرعت ووضعت رداءً على ملابس العمل التي لم تغيرها من البارحة ثم انزلقت بخفة تعبر الممر من غرفتها إلى الدرج المؤدي للطابق الأول ونزلت بذات الخفة الدرجات الـ 11 والتفت عند منتصفها برشاقة وأكملت نزول العشر درجات الأخيرة لتقف أمام مشهد العمة التي تتحدث إلى رجلٍ تتمسك به طفلة تبكي ويتلصق بها كلب تشيواوا صغير وحقائب وردية للملابس عليها رسوم أطفال حزرت سلمى أنها طفلة آخرى ألقيت لهذا المنزل، وكانت محقة ..
..
كانت طفلة في الرابعة  أو أقل بشعر بني شهيٍ أشبه بزبدة البندق مقسوم بإهمال لضفيرتين على كتفيها ، وعينين ملونتين تنضحان دموعًا كالمطر وسط نشيجها وشهقاتها .. وتردد كلامًا غير مفهومًا نهائيًا، تتمسك ببنطال الرجل الذي اتضح أنه والدها، وكلبها الصغير البني ملتصق بها وينبح بين الحين والآخر بخفوت وخوف .. يتآزر مع مالكته بالبكاء والخوف والقلق ..
يريد والدها أن يتركها حتى يستقر وضعه، بعد أن هجرتهما والدتها الأجنبية وهربت مع عشيقها، لكن العمة تتذمر من قلة المبلغ الذي سيتركه كمصروف للطفلة، بينما تبكي الطفلة التي لا تتحدث حرفًا عربيًا واحدًا لأنها مرت بالكثير مؤخرًا وتشعر الآن أن والدها سيتركها مع هؤلاء الغرباء وسيهرب مثلما هربت أمها ..
مرت سلمى بجوارهم كأنها لم ترهم وجلست إلى طاولة الطعام وطلبت الافطار من سالينا، قدمته لها سالينا على طاولة الطعام  وبدأت تتناول البيض المقلي وقطع السجق مع خبز التوست وكوب قهوة صباحية لذيذة، جذبت الرائحة الكلب الصغير الجائع ودفعته للوقوف بقرب قدمي سلمى وينظر إليها بتوسل .. ألقت له سلمى قطعة سجق صغيرة فتناولها الكلب بسرعة وعاد إلى مالكته الصغيرة والتي كانت تبكي بشدة الآن لأن والدها يخبرها أنه سيأخذ الكلب فلا مكان له في هذا المنزل ..
والكلب يشد الصغيرة من طرف فستانها لتأتي معه إلى طاولة الطعام ..
نزاعٌ بين الأب وطفلته ، العمة ستحتمل الطفلة لكن لاتريد الكلب ، والطفلة يستحيل عليها التخلي عن الكلب الذي سيكون هو الكائن الوحيد الذي بقي بجوارها من قبل مولدها، فأمها اشترته رضيعًا حين كانت حاملًا بها وربته مع ابنتها .. وعمره يقارب عمر هذه الطفلة .. 
كانت سلمى تمضغ قطع الطعام بمشقة رغم تظاهرها باللامبالاة ، هذه الطفلة تذكرها بيوم مجيئها هنا، لكنها كانت أكثر انكسارًا بعد جنازة والدها وتبكي بصمت ، وكانت أكبر قليلًا من هذه الطفلة وأكثر إدراكًا، وتعرف أنها فقدت كل شيء فلذا صمتت تبتلع يتمها وتجتر خوفها من أجل النجاة في هذه الحياة الصعبة ، لكن هذه الطفلة أصغر وتشعر بالغدر والخوف أكثر، بدت سلمى كأنها تنازع نفسها من أجل هذه الطفلة ، أرادت أن تقول شيئًا وحاولت التجاهل قدر استطاعتها، لكن من أجل نفسها التي جاءت قبل 26 عامًا ولم يدافع عنها أحد ستتحدث ..
- دعيها تحتفظ بالكلب يا عمتي، الحديقة كبيرة ، وبكاؤها مزعج ، أرسل نفقة إضافية للكلب وستسير الأمور على ما يرام - قالت هذا لوالد الطفلة - والتفت مدهوشًا نحو الشخص الذي يتحدث ، كانت قريبته من ناحية ما، تخبره بذلك بشرتها البيضاء التي تشترك بها هذه الأسرة وتسعى للحفاظ عليها في نسلها، لكنه لم يلحظ وجودها حتى تحدثت ..
بدا الكلب متحمسًا لحديث سلمى وكأنه شعر بمؤازرتها، واتجه نحوها، وراحت الطفلة تلحقه : دومينيك .. دومينيك .. تناديه بصوت طفولي أشبه بقطعة حلوى شهية ..
وقف الكلب أمام سلمى ، ووقفت الطفلة خلفه تمامًا .. وحدقت في وجه سلمى وحدقت سلمى في عينيها الواسعتين بلونهما الضائع مابين الأزرق والأخضر والرمادي .. ووجهها الجميل الواضح فيه قسماتها الأجنبية الخليطة بدمها العربي ، بشعرها البني الأغمق من شعر كلبها البني أيضًا ولكن بطبقة أفتح وكأنه يميل للذهبي، حدقت بسلمى لبعض الوقت ثم أسرعت نحو والدها الذي ناداها : ألينا .. ألينا ..
كانت قد توقفت عن البكاء، وعادت سلمى لتكمل كوب القهوة بعد أن فقدت شهيتها لإكمال طعامها..
ودع الأب ابنته ألينا لكنها لم تبكي، كان قد وعدها أن يعود لها قريبًا ليأخذها، وخرج وهو يدمع، بينما وقفت الطفلة تحدق في سلمى من بعيد، وحين أتت سالينا لتأخذ الحقائب وتأخذ الطفلة للأعلى لغرفتها الجديدة كانت سلمى قد أنهت قهوتها ووقفت لتعود لغرفتها ، جرت الطفلة نحوها واختبأت خلف سلمى وجرى الكلب معها واختبأ خلفها هو أيضًا..
وشعرت سلمى أنها في موقف غريب لم تمر به قبلًا، ببعض القوة لأن أحدهم يحتمي بها، وبكثير من الغرابة لأنها لم تكن على اتصال مع أحد هكذا من وقتٍ طويل ..
رفضت الطفلة الصعود وتشبثت بسلمى التي تسمرت تفكر ما الذي عليها أن تفعله!
والخادمة تحاول نزع الطفلة من خلف سلمى بينما قاومت الطفلة ونبح الكلب واستدارت سلمى لتشير للخادمة أن عليها التوقف عن المحاولة للآن ..
بينما تشاهد العمة ذلك من أمام الباب مرت بها عاصفة باردة قوضت عظامها وأشعرتها بكثير من الغربة في دارها !

Sunday, October 6, 2013

العد التصاعدي - 5

انكمش نصر في كرسيه وقرر ألا يخاطر ثانية بالحديث إليها، وأدركت هي ذلك ..
تبدو سلمى أحيانًا ببشرتها البيضاء الشاحبة  أشبه بكاهنة بدينة، صمتها يعلمها الكثير من الأشياء التي لا يمكن إدراكها إلا بالاصغاء العميق للعالم المحيط، وهي تصغي بعمق لأنها صامتة تمامًا، حتى أنفاسها لا تكاد تسمع مهما اقترب المرء منها.
سيكون من الممل لو أنها تركت لنصر اللعبة كاملة يقودها حسب نمط شخصيته الجبان، ولا إراديًا كان ثمة شيطان يفكر بعمق داخلها ، امرأة ماكرة تجيد قواعد اللعبة بلا مبالاتها وإدراكها العميق لما حولها وتظاهرها باللامبالاة..
فلتقم لعبتها وفق قواعدها مع نصر ولتتسلى معه قليلًا، فليس لديها ما تخسره في هذا العالم إطلاقًا..
تظاهرت بتجاهله لبضع ساعات آخرى حتى ألف هذا التجاهل وفجأة قريب وقت الغداء سألته إن كان يشعر بالراحة في هذا المكتب معها؟ - هكذا كان السؤال -، وهكذا ضغطت على كلمة : "معي ؟" حين سألته .. وشعر فجأة بالخوف .. لكنها ابتسمت بدفيء حقيقي هذه المرة واهتمام بالغ جعل نصر يبلع لعابه وتهدأ أنفاسه ويجيب بلطف طفل استسلم للشعور بالأمان : نعم .. أنا بخير .. شكرًا لتحملي..
ضحكت بدون صوت تقريبًا وقالت : لا يوجد في الأمر أي تحمل .. أنت هاديء جدًا ولا أكاد أشعر بك!
ابتسم وأعاد شكرها ثانية ثم استأذن للخروج لتناول وجبة الغداء، في حين أخرجت هي صندوق غدائها وعاد وجهها بلا تعابير تقريبًا كعادته.
حين عاد نصر أدرك بغريزته أن الود الذي حل قبل خروجه تبخر تمامًا وأن الجو عاد باردًا لما كان عليه وشعر بقشعريرة باردة تسري في جسده .. لكنه فكر أن الأمر سيستغرق بعض الوقت ..
استمرا في العمل بصمت لا تسمع في ذلك المكتب غير أنفاس نصر وتكتات لوحات المفاتيح وطقطقة الأقلام على وجه الأوراق ..
انتهى الدوام، ولم ترفع سلمى عينها مجددًا ناحية نصر، وبدا كأنها تتعمد تجنبه، لكنها كانت قد ألغت وجوده مجددًا بينما قضى هو الساعات الأخيرة وهو ينظر إليها  بين الحين والآخر منتظرًا بادرةً دافئة آخرى ..
لملمت سلمى أغراضها وقررت اليوم المشي للمنزل ..، بعد بضعة دقائق من المشي بعيدًا عن المنظمة بدأت تسمع المعاكسات والشتائم والغزل البذيء، لم يتركوا شيئًا في جسدها دون تعليق أو كلمة أو حتى شتيمة أو إيحاء جنسي بذيء، ناهيك عن الكلمات السوقية المبتذلة .. كلها سمعتها في الطريق للمنزل، وكالمعتاد تظاهرت أنها لا تسمع شيئًا ، لكن كل كلمة تقال كانت كحجر يرمى في وجهها وعلى جسدها .. تدمي روحها وتمزق النسق الذي ينبغي أن تسير به الأمور حين يمشي المرء لبعض الوقت ..
تعرضت لمحاولة لمس وتحرش يدوي لكنها تفادتها برشاقة ومهارة من تعود على هذه الأمور، لكن مهما تعودت على هذا الأمر تظل ..
تمر بخوف وقلق كلما امتدت يدٌ لتلمس جسدها بقذارتها وتفزع راحتها وأمانها، 
كانت تعبر شارع فرعي حين مرت سيارة مسرعة وكاد صاحبها أن يدهسها قبل أن تسرع خطاها وتعبر، وبالإضافة لخوفها من  الدهس سمعت صاحب السيارة يصرخ فيها : عليك اللعنة يا بقرة .. 
مشت طويلًا حتى وصلت للبيت ، كادت أن تقع على الأرض من توترها مرتين وفي آخر لحظة تماسكت، ووصلت المنزل بعد مشي يفترض أنه أراحها وخفف توتر قلبها  أشد توترًا وخوفًا وقلقًا .. بدت كطفلة ترغب في الوقوع أرضًا والانخراط باكية بمرارة ..
تمنت في تلك اللحظة أن تموت، لا يبدو أنه في حياتها أي متنفس أو مخرج أو نهاية لكل هذا العذاب، رغبت بشدة أن تكون تلك السيارة قد دهستها أو أن تعلق نفسها في سقف غرفتها وتختنق أو حتى تتناول كمية مهولة من المنوم لتنام نومتها الأبدية ..
وأعادت مشاعرها تلك كل أفكارها السوداوية إلى رأسها وانفجر الوجع في قلبها .. ولم تدرِ ماذا تلوم أو من تلوم ..
وألقت اليوم لومها كله على أنها امرأة .. أنثى ..
لو أنها ولدت صبيًا لما ألقتها أمها ولما عاملتها عمتها بدناءة ولأمكنها التخلص من حياتها هذه ببساطة ..
لما عاملها المجتمع باحتقار ولما اضطهد أبسط حقوقها في المشي في الشارع العام مثلما تمشي الكلاب والقطط بأمان  ..
لو أنها لم تكن سلمى وكانت سالم أو أي اسم آخر مذكر ... 
لم تكن سلمى قادرة على البكاء حتى في أصعب الأوقات .. من وقت طويل أصبحت هكذا عاجزة عن ذرف الدموع ..
لكن كل فكرة تطوف برأسها تجعله يدور وقلبها يعصف وينزف مثل عصفور في يد تعصره بقسوة ..
في زاوية غرفتها انكمشت سلمى على نفسها وكأنها ابتلعت سمًا مريرًا تنهش بأصابعها وتحرث بأظافرها بشرة ذراعها حتى يسيل الدم ولا يبدو أنها تعي ذلك أو تشعر به ..
تدمر جسدها لأنها عاجزة تمامًا عن تدمير الألم والوجع اللذان تمر بهما.